انتشرت في الآونة الأخيرة أنشطة التسويق والتجارة الإلكترونية، على «جروبات» صغيرة غير رسمية بمواقع السوشيال ميديا، سواء فيس بوك، أو تويتر، أو واتس آب، وأصبحت أسهل طريقة للبيع والشراء دون ضرائب من جهة البائع، والهروب من زحام الشوارع من جهة المستهلك.
وتعد التجارة الإلكترونية لدى كثيرين فرصة جيدة لمن يريدون تجربة المجال، أو المستعدين بالفعل لأخذ القرار الحاسم، وبدء مشروع جديد في عالم التجارة الإلكترونية.
فرض ضرائب حكومية
كشف موقع «statista.com» الخاص بالإحصائيات أن 40% من مستخدمي الإنترنت في العالم، قاموا بشراء منتجات عبر الإنترنت، ويقدر عددهم بما يزيد عن مليار مشترٍ.
ودفع هذا الأمر «مصلحة الضرائب» إلى دراسة وضع آليات مناسبة، للسيطرة على نشاط التجارة الإلكترونية، ومحاسبتها ضريبيًا للمرة الأولى.
وتنص الأعراف الضريبية المعمول بها محليًا على خضوع كل ما له مقر دائم للنشاط داخل مصر للضرائب فقط، ما يعنى أن الآلية التي تستهدفها المصلحة تمثل تحولًا في آليات المحاسبة المتبعة.
يشار إلى أن اللائحة التنفيذية لقانون الضريبة على القيمة المضافة، الذي طبق بديلا عن قانون ضريبة المبيعات منذ سبتمبر 2016، تضمنت مادة للتجارة الإلكترونية، تنص على أنه لرئيس المصلحة بالاتفاق مع الجهات المختصة وضع نظم وآليات للرقابة، وتحصيل الضريبة المستحقة على عمليات التجارة الإلكترونية، غير أن تلك الآليات لم تخرج للنور حتى الآن.
وقال الدكتور مصطفى شاهين، خبير الضرائب، وأستاذ الاقتصاد بـ«أكاديمية أوكلاند الأمريكية»، إن الحكومة، ممثلة في قطاع التهرب الضريبي، بدأت في جمع المعلومات عن مستخدمي «السوشيال ميديا» لتحصيل الضرائب من صافى الأرباح، موضحًا أن التجارة الإلكترونية مصدر معلومات للحكومة من خلالها نعرف الصفقات التي عقدها الممول، وأرقام الأعمال التي تخصه.
وأضاف «شاهين» في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن هناك صعوبة شديدة جدًا تقف أمام تحصيل الضرائب من التجارة الإلكترونية، وهي الوصول إلى الممول والبائع و«user»، والمعلومات الخاصة به، مؤكدًا ضرورة وجود أجهزة حكومية لتتبع المستخدمين، ومعرفة الصفقات، بجانب دور قطاع التهرب الضريبي.
وأشار «شاهين»، إلى أن الحكومة بدأت في تفعيل دور الجهات المعنية لكشف هذه المعاملات، ولكن تحتاج إلى دور أكبر، وخاصة أن هناك صفقات كبيرة تتم من خلال مواقع «السوشيال ميديا»، متابعًا: «التجارة الإلكترونية تعد اقتصادًا غير رسمي للحصول على معاملات كبيرة».
وأكد خبير الضرائب، أن زمن التعامل المباشر انتهى، وأصبح التعامل عن طريق الإنترنت هو القائم حاليًا، لافتًا إلى أن شكل الضريبة سيكون تصاعدية من 10 إلى 22.5%، حسب الصفقات التي تتم، بينما الشركات ستكون على صافي ربح مباشرة.
قانون لتنظيم العمل
وانتفضت لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بـ«مجلس النواب» ضد شركات التواصل الاجتماعي، لتقنينها وسن تشريع ينظمها وينظم التجارة الإلكترونية، وتفعيل «بروتوكولات» التعاون الدولية؛ لحماية حق الشعب في المال العام.
وقال النائب أحمد بدوي، وكيل لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إن البرلمان يعمل على قانون عام تحت مسمى «مكافحة الجريمة الإلكترونية»، وبه جزء خاص بالتجارة الإلكترونية، موضحًا أنه ستتم مناقشته خلال نوفمبر المقبل.
وأضاف «بدوي» في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن قانون «مكافحة الجريمة الإلكترونية»، به مواد تخص الأمن القومي المصري، مشيرًا إلى أنه من أهم القوانين التي ستناقش لحماية بيانات المواطنين، ومن ضمنها أيضًا «التجارة الإلكترونية».
وأشار «بدوي»، إلى أن هناك شركات وتجارًا زادت أرباحهم بشكل كبير جدًا، من خلال التجارة الإلكترونية، وذلك في ظل عدم وجود رقابة، موضحًا أن مواقع «السوشيال ميديا» أصبحت مكانًا للترويج للسلع الغذائية، ومنتجات التجميل دون رقابة.
وأوضح «بدوي» أن معظم هذه المنتجات مجهولة المصدر، بالإضافة إلى أن مواقع السوشيال ميديا أصبحت الأكثر مشاهدة حاليًا في مصر لدى الأطفال والسيدات وربات البيوت، متابعًا: «كلها مضروبة، وليس هناك رقابة أو محاسبة للمخطئين».
وأكد أن القانون سيناقش إعلانات المنتجات على موقع «فيس بوك» بدون معرفة الحكومة، لافتًا إلى أنه من المعروف في قطاع التجار، أنه لا توجد شركة مجهولة الهوية، وليس لها سجل تجاري، إضافة إلى شهادات بسلامة المنتجات وصلاحيته من وزارة الصحة.
ولفت وكيل لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إلى أنه من ضمن بنود التي سيناقشها القانون أيضًا شركات التوصيل، وطرق حماية المواطن من «النصب».
التأثير على التجارة العادية
وكشف موقع «eMarketer»، إلى أن دولارًا واحدًا فقط يُنفق في التجارة الإلكترونية مقابل 11 دولارًا في التجارة العادية، إلا أن حجم الإنفاق على التجارة الالكترونية قد نما من 1.2 تريليون دولار في 2013 إلى 1.7 تريليون دولار في 2015، ومن المتوقع أن يصل إلى 2.3 تريليون دولار في نهاية 2017.
وقال الدكتور صلاح الدين فهمي، أستاذ الاقتصاد بـ«جامعة الأزهر»، إن التجارة الإلكترونية، تعتمد فكرتها على البيع والشراء «أون لاين»، وأن هذه التجارة لا تقتصر على المستويات المحلية، بل وصلت للعالمية.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن التفاوض من خلال التجارة الإلكترونية، على المنتجات أصبح عن طريق الإنترنت، وليس عن طريق الاتصال المباشر، موضحًا أن الدفع أصبح عن طريق «الفيزا» أيضًا؛ لتجنب «النصب» من خلال شركات التوصيل.
وأشار «فهمي»، إلى أن التجارة الإلكترونية لن تؤثر على نصيب التجارة العادية في السوق المصري، بل هي تساهم وتشارك في الترويج لها، مؤكدًا أن الانترنت أصبح شيئًا ضروريًا، وأساسيًا في قطاع التجارة، لمواكبة التطوير.
وأوضح أستاذ الاقتصاد، أن التجارة الإلكترونية تقلل البيروقراطية، في الهيئات والمنظمات، والشركات والدول، لافتًا إلى أن الحكومة تعمل حاليًا على وضع آليات العمل بالتجارة الإلكترونية، ووضع قيمة ضريبية لحماية حقوق الدولة والمواطنين وعدم إهدارها.
التحديات
مع تزايد أعداد المقبلين على الشراء «أون لاين»، يبقى أهم تحد يقف أمام التجارة الإلكترونية، أن أكثر من 56% من إجمالي الأسر المصرية ليس لديهم الوعي الذي يجعلهم يستخدمون التجارة الإلكترونية، بالإضافة إلى عدم الاعتراف القانوني بـ«العقود الإلكترونية» بما لا يقل عن 24% من عوائق الاستخدام المنزلي، كما يشكل عدم وجود وسائل دفع مريحة على الإنترنت 16% من المشاكل، بجانب صعوبة الشحن والنقل، وفقًا لما أعلنته وزارة الاتصالات.
وقال الدكتور إبراهيم فوزي، رئيس مجلس إدارة شركة معلومات المستقبل والاستشارات التسويقية، إن التجارة الإلكترونية أصبحت ذات أهمية كبرى في العالم كله، منوهًا إلى أن هذا الأمر دفع الدول إلى وضع قوانين لتنظيمها، مشيرًا إلى أن التعامل المباشر بين المنتج والمستهلك، إحدى أهم مميزات التجارة الإلكترونية.
وأضاف «فوزي» في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن التجارة الإلكترونية، تمثل 20% من سوق التجارة في مصر، بينما وصلت عالميًا إلى 25%، موضحًا أن نسبة أربحاها وصلت إلى المليارات في مصر.
وأشار «فوزي»، إلى أن التجارة الإلكترونية عبر مواقع «السوشيال ميديا» بدأت في الانتشار في الآونة الأخيرة، متوقعًا تخطي أرباحها المليار سنويًا، كما أن هذه النسبة تزداد في المواسم مثل «عيد الأم».
وأكد أن أهم التحديات التي تقف أمام التجارة الإلكترونية، هي تأمين المنتجات وتأمين وسائل الدفع، لافتًا إلى أن معظم المنتجات نظام الدفع فيها يكون «دليفري»، ولتأمينه يجب أن يدعم نظام الدفع الإلكتروني عن طريق البنوك.
وأوضح رئيس مجلس إدارة شركة معلومات المستقبل والاستشارات التسويقية، أن التسويق على مواقع «السوشيال ميديا» له أساليب كثيرة، منها «الجروبات»، والصفحات، وهناك فرق بين الأسلوبين، متابعًا: «الصفحات تكون ملك لصاحب المنتج ويعرضه من خلالها، ووارد ألا يصل للمستهلكين، بينما التسويق على الجروبات يستهدف عملاء بعينهم، ويصل لأكبر قدر من المستهلكين».
وسائل النصب
ولا يمكن أن ننسى انتشار وتعدد وسائل «النصب» عن طريق التجارة الإلكترونية، سواء من خلال شركات توصيل المنتجات، أو المسوقين أنفسهم، ما جعل أسهل طرق التسوق من خلال مواقع «السوشيال ميديا»، الدفع نقدًا عند التسليم، أو رؤية المنتج قبل شرائه.
وتواصلت «النبأ»، مع أحد المسوقين على «السوشيال ميديا»، ويدعى محمود محمد، والذي قال إنه يعمل من خلال موقعي التواصل الاجتماعي «فيسبوك وواتس آب»، لتسويق منتجاته من ملابس، بجانب العمل الخاص به في شركة مقاولات؛ لتحسين دخله.
وأضاف، أن العمل على «السوشيال ميديا»، أسهل بكثير من فتح «محل» والتسويق له، متابعًا: «محل يعنى إيجار وعمالة ومياه وكهرباء وكمان ضرائب، والربح بيكون أكبر».
وأشار «محمد»، إلى أن قانون الضرائب على التجارة الإلكترونية الذي تدرسه الحكومة، لن يكون له قواعد ثابتة تحكمه، إضافة إلى أن الواسطة والمعارف والمحسوبية، ستكون إحدى أهم صفاته.
وأكد أن هناك عمليات نصب كثيرة تحدث من خلال التجارة الإلكترونية، لافتًا إلى أن من أهم مميزات العمل من خلال «السوشيال ميديا» التأكد من تسليم البضائع للعميل، بجانب المرونة في التعامل في حالة وجود عيوب المنتج.
في المقابل، رصدت «النبأ»، عددًا من حالات النصب من خلال «التجارة الإلكترونية»، إذ قال أحمد محمود، موظف بجامعة القاهرة: «أنا اشتريت لاب ماك وكان صاحبه كاتب في الإعلان، إمكانيات غير الموجودة في اللاب، وبناء على هذه المواصفات أنا اشتريته، ولكن للأسف طلع غيره وأقل من المعلن».
وأضاف: «أنا اشتريته بسعر 2500 جنيه، وبعد كشف عن العيوب والإمكانيات اضطرت إلى بيعه بأقل من ثمنه بسعر 2000 جنيه، وهذا بعد محاولات عدة لإرجاعه، فإحدى قواعد التجارة الإلكترونية، لو اشتريت حاجة مضروبة يا أما تبعها بنفس ثمنها، يا بأقل».
وتابع: «أصبح 70% من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تجارا هدفهم البيع والشراء، و30% الباقين زبائن، ولكن موضوع النصب انتشر بشكل جنوني خلال الفترة الماضية».
وواصل: «في أشكال كثيرة للنصب، فانتشر أيضًا على السوشيال ميديا مدعين الروحانية، وتحضير الجان، للنصب على المواطنين».
ومن جانبه، قال وليد سعيد: «أنا اشتريت ساعة روليكس بـ450 جنيهًا، وبعد أيام لونها اتغير، بدأت تتأخر حركتها».
وأضاف: «لم أتمكن من إرجاعها أو من الوصول إلى الشخص الذي اشتريتها منه، ما يدفعني إلى تصليحها بشكل أسبوعي».
فيما قالت ألفت همام، ربة منزل: «أنا اشتريت زبدة شيا وكركار وحبشي، مستحضرات تجميل، وأدوات للشعر، ولكن جميعها مضروبة، ولذلك لا أنصح أي شخص بشراء من النت».
وفى هذا السياق، قالت الدكتورة سعاد الديب، رئيس الاتحاد النوعي لجمعيات حماية المستهلك، إن التجارة الإلكترونية، أصبحت أمرًا واقعًا في مصر، والتجارة والتسويق بشكل عام، وخاصة في ظل التطورات التكنولوجية.
وأضافت في تصريحات خاصة لـ«النبأ»، أن التجارة على مواقع «السوشيال ميديا» أصبحت وسيلة اقتصادية أساسية في مصر، لعرض المنتجات والتسويق لها، بهدف البيع والشراء، لافتة إلى أن التجارة على «فيس بوك»، أسهل وأسرع، بالإضافة إلى نجاح هذه التجارة نسبته جيدة.
وأشارت «الديب»، إلى أن التجارة الإلكترونية، بدأت تتنامى في مصر بصورة سريعة، وهذا مؤشر جيد وليس سيئًا، موضحة أن هناك بندًا في قانون حماية المستهلك يتحدث عن ضوابط «التجارة الإلكترونية».
وشددت على ضرورة وضع قواعد وقوانين من قبل الحكومة، تلزم الطرفين، البائع والمشتري، لإحكام الرقابة، مطالبة المستهلك من التأكد من صلاحية المنتجات وجودتها قبل الشراء، وخاصة مع إعلان منتجات مخالفة للحقيقة، وانتشار عمليات «النصب والغش» سواء من شركات التوصيل أو أصحاب المنتجات.
اترك رد