fbpx

“العملات الرقمية” وادي السليكون يبرع في صناعة الهوس

الطموح الذي ولد “إنتربلانتاري فايل سيستم” InterPlanetary File System هو طموح غير متواضع بقدر الاسم. هذا النظام الذي هو من بنات أفكار شركة ناشئة في وادي السليكون تسمى “بروتوكول لابز” Protocol Labs، يهدف إلى منح أي شخص الفرصة لشراء وبيع مساحات تخزين الكمبيوتر غير المستخدمة. حتى أن هناك وحدة تبادل اصطناعية لهذه السوق المقترحة: عملة رقمية تسمى فايلكوين Filecoin (عملة الملفات).
لا يبدو على المضاربين أنهم يشعرون بالقلق من أن هذه السوق الفورية لموارد الحوسبة العالمية التي لا تزال مجرد خطة مضمنة في جزء من قطعة من برنامج مفتوح المصدر. أو أنها، إذا اكتسبت الزخم، سوف تتنافس مع الشركات العملاقة مثل أمازون، شركة تزويد خدمات الحوسبة السحابية الرائدة. على الرغم من هذه العقبات الواضحة جمعت “بروتوكول لابز” أكثر من 250 مليون دولار في عملية بيع مفتوحة على الإنترنت لعملتها المبتكرة، انتهت الأسبوع الماضي.
ما يسمى عروض العملات الأولية، أو ICOs، مثل هذه تحولت إلى الجنون المالي الأكثر إثارة للاهتمام في العام. جمع مطورو البرمجيات أكثر من 1.8 مليار دولار من بيع عملات جديدة بأسماء مثل “تيزيز” Tezzies، و”أتومز” Atoms و”بيسك أتينشن توكينز” Basic Attention Tokens.
في أسواق الإنترنت غير الرسمية حيث يجري تداول هذه العملات وغيرها من العملات الرقمية، بلغ الهوس مستويات حتى أكثر غرابة من ذلك. قيمة “ريبل” Ripple – التي تعتبر مخضرمة العملات الرقمية، على اعتبار أنها موجودة منذ خمسة أعوام – ارتفعت هذا العام وسط طفرة أوسع بقيادة البيتكوين. قيمة ريبل الاسمية، بما في ذلك العملات التي تحتفظ بها الشركة للبيع في وقت لاحق، ارتفعت من 500 مليون دولار في بداية العام إلى أكثر من 35 مليار دولار، قبل التراجع إلى 19 مليار دولار.
الطفرة في أسعار العملات الرقمية تتغذى من المضاربة غير المنظمة، ما دفع المنظمين إلى التدخل. في الأيام الأخيرة حظرت السلطات الصينية عروض العملات الأولية ويقال الآن أنها على وشك إغلاق جميع بورصات العملات الرقمية. وحذرت هيئة السلوك المالي، هيئة التنظيم البريطانية، أي شخص يفكر في شراء العملات في عروض العملات الأولية بأن عليه أن يفعل كذلك إذا كان على استعداد لخسارة كل شيء. جيمي دايمون، الرئيس التنفيذي لـ “جيه بي مورجان”، خفض أسعار البيتكوين 10 في المائة يوم الثلاثاء الماضي، عندما وصف العملة بأنها “احتيال” وهدد بطرد أي شخص في مصرفه يضبط وهو يتداول بها.
لكن مروجو العملات الرقمية يقولون إذا استثنينا هوس المضاربة، هناك شيء عميق يحدث. فهي أنشأت طريقة جديدة للشركات الناشئة التي تطور منصات قائمة على “بلوكتشين” blockchain (دفتر الأستاذ الرقمي) وتكنولوجيات أخرى لجمع المال، باستخدام أساليب التمويل الجماعي على الإنترنت.
شبكات مثل نظام إنتربلانتاري فايل قائمة على رؤية لخدمات الإنترنت اللامركزية حيث يتفاعل المستخدمون العاديون مباشرة مع بعضهم بعضا، بدلا من خلال شركات إنترنت تضع نفسها كحراس لعالم الإنترنت. وفقا للمتحمسين، يمكن إعادة صياغة كثير من تطبيقات الإنترنت الأكثر شيوعا بهذه الطريقة، من خلال ترك السيطرة – والأرباح – في أيدي المستخدمين.
“هذا إلى حد كبير يشبه الإنترنت في وقت مبكر. يمكن أن تكون أكبر من أي شيء شهدناه”، كما يقول تيم دريبر، صاحب رأس المال المغامر الذي كان أحد أوائل مؤيدي العملات الرقمية في وادي السليكون.
بالنسبة لمستثمرين كهؤلاء، أعادت الشبكات الجديدة إحياء الحلم التحريري لإنترنت تعمل خارج المؤسسات الاجتماعية المتحجرة. يقول دريبر: “المجتمع يتغير الآن بفعل هذا. سوف نكون عالما أكثر وفرة وعدالة عندما ينقشع الغبار هنا. عروض العملات الأولية تملأ الفراغ الذي فشلت الحكومات في ملئه”
لكن هناك وجهة نظر أخرى تعتمد على جانب مختلف من تاريخ الاستثمار في الإنترنت. يقول مارك وليامز، المحاضر في إدارة المخاطر المالية في جامعة بوسطن: “هناك ميل لإيقاف الدماغ والدخول في المعمعة. الأمر مثل Pets.com (التي أغلقت في عام 2000)”. هذه المضاربة يغذيها ضجيج مخادع بقدر جنون الدوت كوم في أواخر التسعينيات، ويقول: “يعاملها الناس وكأنها تذكرة يانصيب”.

تطبيقات تريليونية
بالنسبة للمتهورين، عروض العملات الأولية تمثل خطرا أكبر بكثير، لأن عدم اليقين حول كيف ينبغي تنظيمها يعني أن معظمها يفتقر حتى إلى الحماية الأساسية لقوانين الأوراق المالية التي كانت تحكم عمليات الاكتتاب العام الأولية في فترة الدوت كوم. باعتباره حدثا رقميا صافيا، التمويل الجماعي على الإنترنت معرض أيضا لاحتيالات إنترنت مألوفة، من المخططات الاحتيالية التي تستخدم لسرقة المتهورين إلى اختراق البرامج الأساسية التي تدعم المشاريع الجديدة – المصير الذي أصاب أول عرض عملات أولي بارز في العام الماضي، لشركة تسمى “دي آيه أو”.

يوافق المؤيدون على أن المضاربة المكشوفة تمثل الكثير من المال الذي كان يتدفق إلى عروض العملات الأولية، حيث ينجذب المشترون بفعل الأرباح الاسمية الهائلة التي حققها المستثمرون الأوائل – على الرغم من أن عدد الأشخاص الذين كانوا قادرين على تحقيق أرباح من الأسعار المدرجة في بورصات الإنترنت غير الرسمية يبقى سؤالا مفتوحا.
قيمة العملة الرقمية المعروفة، البيتكوين، ارتفعت ثمانية أضعاف في العام الماضي. هذا أدى إلى البحث عن الأسواق غير المستغلة التالية، ما رفع من القيمة الاسمية لجميع العملات الرقمية إلى أكثر من 130 مليار دولار. ومع عدم الحاجة إلى أكثر من “تقرير رسمي” – الوثيقة التي يستخدمها مروجو العملات لوضع خططتهم الكبيرة – لإطلاق عملية بيع إحدى العملات، والوعد ببعض البرمجيات، فإن التدفق الثابت لعروض العملات الأولية في العام الماضي تحول إلى فيضان.
الطفرة التي بدأت في أوائل الصيف تظهر منذ الآن كثيرا من خصائص جنون المضاربة الأخرى. العملات الجديدة انتشرت: أكثر من 150 عملية بيع لعملات تم إجراؤها، أو الإعلان عنها هذا العام.
“كوين ماركيت كاب” تضع قائمة بأسعار نحو 1100 عملة، مع التخطيط لأكثر من 120 عرضا من عروض العملات الأولية قبل نهاية أيلول (سبتمبر).
موافقات المشاهير تبعت. باريس هيلتون استخدمت موقع تويتر لتعزيز “ليديان كوين” LydianCoin، عملة لسوق إعلانات متقدمة يأمل أنصارها في جمع 100 مليون دولار. الملاكم فلويد مايويثر وصل إلى هناك قبلها، باستخدام الفترة التي سبقت مباراته الأخيرة في آب (أغسطس) مع كونور ماكجريجور لترويج سوق التنبؤ Stox.com وسوق المحتوى “هوبي نيتوورك” Hubii Network.
مثل طفرة الدوت كوم، تم استخدام رؤية التكنولوجيا الشاملة لتبرير التقييمات التي لا تبدو منطقية على أي مقياس آخر. في حالة عروض العملات الأولية، الفكرة الكبيرة هي أن التكنولوجيا التي تقوم عليها العملات الرقمية سوف تمكن جيلا جديدا من التطبيقات على الإنترنت والأسواق التي ستنتهي بجعل عمالقة الإنترنت اليوم يبدون صغارا. مثل بيع تخزين الكمبيوتر الاحتياطي، ستوضع القواعد لهذه الشبكات – والأرباح المحققة – من قبل المستخدمين، وليس إحدى الشركات الكبيرة.
بعض هذه التطبيقات ستساوي في يوم ما “تريليونات الدولارات”، كما يقول أولاف كارلسون وي، الذي يعد صندوق التحوط للعملات الرقمية التابع له “بوليتشين كابيتال” Polychain Capital واحدا من المستثمرين الذين يقودون الطريق لعروض العملات الأولية. بالنظر إلى الحجم المحتمل لهذه الأسواق المستقبلية، كما يقول، فإنه حتى الرهانات التي يبدو أن لديها فرصة ضئيلة للنجاح تبدو منطقية.
تماما كما تم إثارة جنون الدوت كوم من قبل الآمال المفرطة لشبكة الإنترنت العالمية، فإن طفرة عروض العملات الأولية هي نتاج تكنولوجيا أخرى من المفترض أن تكون تحويلية: بلوكتشين. تكنولوجيا بلوكتشين، التي استخدمت أولا باعتبارها العمود الفقري لمعالجة تحويلات البيتكوين، هي دفاتر حسابات مفتوحة وموزعة حيث تكون الصفقات بين أي طرفين على الشبكة مصادقة ومسجلة.
ما يدعم الشبكات القائمة على تكنولوجيا بلوكتشين، مثل نظام إنتربلانتاري فايل هي البروتوكولات، أو القواعد المدمجة في البرمجيات التي تحكم طريقة تفاعل المشاركين. على الأقل من الناحية النظرية، كثير من التفاعلات التي تحدث على الإنترنت، مثل تلك التي على الشبكات الاجتماعية، ومواقع التجارة الإلكترونية، ومحركات البحث، يمكن أن تحدث بين المستخدمين الراغبين على شبكات غير مركزية.
يقول كارلسون وي: “إذا أصبحت أي من هذه البروتوكولات في كل مكان على الإنترنت، فإن الجانب الإيجابي هائل”. ويقارن ذلك مع الفرصة التي استغلها أصحاب المشاريع، مثل مارك زوكربيرج وجيف بيزوس، الذين ابتكروا خدمات تعمل على رأس المنصة التي ابتكرتها شبكة الإنترنت العالمية. الشبكات الاجتماعية اللامركزية أو التجارة الإلكترونية ستترك الملكية في أيدي الذين يسيطرون على البروتوكول الأساسي، وليس تطبيقا مثل فيسبوك أو أمازون. ويضيف: “بإمكان المستخدمين امتلاك البيانات الخاصة بهم وامتلاك الشبكة”.
حماسة كارلسون وي هي علامة على هوس العملة الذي كان يجتاح وادي السليكون، ليجذب المزيج المألوف من الأيديولوجيين، وأصحاب المشاريع، والانتهازيين. على الرغم من أنه يبلغ من العمر 27 عاما، إلا أنه جمع 250 مليون دولار من أربعة من أصحاب رأس المال المغامر المشهورين، منهم “سيكويا كابيتال”.
لكن ما يراه المؤيدون ابتكارا ماليا عميقا، يحذر آخرون من أنه قد يكون وسيلة سهلة لتحقيق أموال مزورة أو لا قيمة لها. عندما يكون المشترون على استعداد لشراء العملات الصادرة من لا شيء أكثر من مجرد وعد بسوق مستقبلية، ليس من المستغرب أن الكثيرين يحاولون صك عملات جديدة.
يقول وليامز” “هناك هذه المبالغة في أن تكنولوجيا البلوكتشين يمكنها تغيير العالم. إنه مثل ضجيج فقاعة الدوت كوم، عندما كنا مضطرين لوضع ’دوت كوم‘ في نهاية كل شيء”.

عملة حصرية
يجادل المتشككون بأن إنشاء عملة منفصلة لكل تطبيق أمر غير ضروري وأن بالإمكان استخدام أي عملة رقمية، بما في ذلك البيتكوين. إجبار الناس على شراء عملات محددة لتطبيقات يجعلهم عالقين بحيازات لديها فرصة كبيرة لتنتهي بلا قيمة.

يقول أنصار طفرة العملة إن هذا يفوت الفكرة. إذا نجحت السوق، عندها فإن عملتها ستكون مطلوبة أكثر. وبما أن إمداداتها تخطت الذروة منذ البداية، فإن أي شخص يحمل عملة سوف يستفيد من قيمتها المتزايدة. هذه الفرصة لتحقيق ربح من نمو الشبكة توفر أيضا حافزا داخليا، ما يجعل من الأرجح أن يستفيد الناس الذين يملكون عملات من الشبكات الجديدة.
سيكون الأمر كشبكة اجتماعية حيث يحقق المعتمدون الأوائل الكثير من الأرباح إذا انطلقت الأعمال، كما يقول أحد مستثمري رأس المال المغامر، الذي يرفض التحدث علنا خوفا من أن يعتبر أنه يعزز المبالغة. يقول الشخص: “أنا أتلقى دولارات فيسبوك التي تنمو مع الشبكة.
بيع العملات يملك ميزة أخرى تعتبر عروض العملات الأولية أقل حرصا على إبرازها: فهي تستغل ثغرة تنظيمية. من خلال بيع إحدى العملات بدلا من الأسهم تبقى خارج نطاق تنظيم الأوراق المالية، ما يزيل القيود على كيفية تسويق عروضها.
هذا أحد الأسباب التي قدمتها شركة فانفير، كازينو بلوكتشين في لندن، لابتكار عملات “فان” Fun الخاصة بها. في قبول نادر لعوامل الجذب التنظيمية لمبيعات العملات، اعترفت في نهاية آب (أغسطس) بأنه “كان من الممكن أن يكون من الأسهل” جعل الناس يستخدمون النقود ومن ثم أن تدفع لهم أرباح أسهم على أساس أرباح الشركة، لكنها أضافت: “حذرنا المحامون لدينا بحق بعدم القيام بهذا لأنه يخاطر بتصنيفنا أوراقا مالية غير مرخصة”. ويعمل المنظمون على إغلاق هذه الثغرة. قالت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية في تموز (يوليو) إنها قررت أن كثيرا من العملات هي في الواقع نوع من الأوراق المالية، وستنظر في الطبيعة الأساسية لكل عملية من عروض العملات الأولية لتحديد ما إذا كان ينبغي تنظيمها باعتبارها أوراقا مالية. بالنسبة لمبتكريها، عروض العملات الأولية تملك عامل جذب واضحا آخر. لقد جعلوا من الممكن جمع مبالغ أكبر بكثير مما يمكن أن تستفيد منه الشركات الناشئة عادة، على الأقل طالما هناك ما يكفي من المستثمرين الذين يمكن إقناعهم بتعطيل عدم تصديقهم.
شركة مصدر مفتوح في مرحلة مبكرة مثل بروتوكول لابز، قد تتوقع عادة أن تجمع في جولة أولية عشرة ملايين دولار من مستثمري الشركات الناشئة التقليدية. لكن من خلال بيع عملة فايلكوين، جمعت بالفعل أكثر من 25 مرة ضعف ذلك. بناء على الأسعار التي دفعها المشترون في عروض العملات الأولية، العملات الإضافية التي احتفظت بها الشركة للبيع تساوي اسميا أكثر من 350 مليون دولار.
يشير تاريخ فقاعات التكنولوجيا إلى أن وضع مثل هذه المبالغ الكبيرة من النقود في شركات جديدة غير مثبتة غالبا ما ينتهي بخسارة. عن عملية بيع فايلكوين، أكبر عملية لعروض العملات الأولية حتى تاريخه، يقول أحد المستثمرين: “لقد انجرفوا قليلا لأن الطلب كان موجود”.
المتفائلون بعروض العملات الأولية يتخذون وجهة نظر مختلفة. المبالغ الكبيرة التي تتدفق إلى الشركات الناشئة في مجال العملات، كما يقول كارلسون وي، هي مؤشر على أن الحواجز القديمة أمام تكوين رأس المال قد انهارت: مع أي شخص حر في الاستثمار، بإمكان الشركات الناشئة في مجال العملات التطلع إلى نمو غير مقيد.
يقول: “في الواقع اعتبر ذلك نقطة انعطاف. خرج المارد من القمقم ووتيرة الابتكار تغيرت للأبد”.
تابعوا آخر المقالات عن التجارة الإلكترونية عبر Google newsPhoto of White Beach in Boracay, Philippines
المؤسس و الرئيس التنفيذي لموقع تخيل Takhail لـ التجارة الإلكترونية.