أطلق خبراء جزائريون صافرات الإنذار من أن تصاعد نشاط البيع الإلكتروني والرقمنة المتسارعة في الاقتصاد قد يهددان وجود المؤسسات مستقبلا، كما يؤثّران على سوق العمل المحلي.
وحذّر رئيس جمعية تكنولوجيات الإعلام جواد علال، خلال ملتقى حول “اليقظة الاستراتيجية والذكاء الاقتصادي في خدمة المؤسسة”، من اختفاء الشركات لعدم إدراكها التغييرات المقبلة في الأنشطة التجارية بفضل توسع تبني التقنيات الحديثة.
وأشار كمثال على ذلك إلى شركتي نوكيا الفنلندية وكوداك الأميركية اللتين اختفتا من السوق لأنهما “لم تستطيعا أن تطورا من أعمالهما لمواجهة منافسيهما”.
ومن بين التحولات التكنولوجية الكبرى أشار علال إلى أن التجارة التقليدية المتأثرة من زحف التسوق الرقمي مهددة بالزوال، تاركة المجال للتجارة عبر الإنترنت.
وتشكّل الجزائر العضو في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) من أقلّ دول شمال أفريقيا استخداما التكنولوجيا، بعد كل من تونس والمغرب، وبدرجة أضعف تأتي كل من موريتانيا وليبيا.
وتشير الأرقام الرسمية، إلى وجود 11 مليون موظف وعامل في القطاعين العام والخاص وهو رقم يعتبره البعض ضئيلا قياسا بتعداد السكان. ويوفر القطاع الخاص نحو 6.95 مليون فرصة عمل، أي 63 بالمئة من إجمالي القوى العاملة بالبلاد، وفق الديوان الوطني للإحصائيات. ومع ذلك، يؤكد المختصون أن مشكلة الدفع الإلكتروني تمثّل العائق الأكبر الذي يواجه نمو التجارة الإلكترونية في الجزائر.
ويعتقد هؤلاء أن الأمر يتطلب إصلاحات اقتصادية ومالية عميقة تمسّ بالنظام المصرفي برمّته، ما سينعكس على التجارة الإلكترونية مستقبلا.
وهناك هواجس من أن تتأثر القطاعات الصناعية إذا لم يسارع المسؤولون فيها إلى اتخاذ خطوات جريئة تواكب التحولات العالمية في مجال الثورة الصناعية الرابعة.
قطاع الصناعة أكبر المتضررين من ضغوط المنافسة التكنولوجية
وترى نادية شطاب الأستاذة بجامعة عنابة أن مواكبة الجيل الرابع من الثورة الصناعية للدول، التي تسير في طريق النمو سيسمح لها بالخروج من التبعية لعوائد الطاقة من خلال تطوير قطاعات صناعية.
ولم تفكر الجزائر طيلة العقود الماضية، وخاصة خلال عشرين عاما من حكم الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة في الاستفادة من التكنولوجيا عبر دعم الشركات الناشئة لتعزيز دورها في الاقتصاد، واكتفت بما تجنيه من صادرات الطاقة. وتمثّل عائدات النفط أكثر من 90 بالمئة من مداخيل الجزائر من النقد الأجنبي، و60 بالمئة من الموازنة العامة.
وتقول الباحثة الجزائرية إن مفهوم “الصناعة 4.0” يرتكز أساسا على تبادل البيانات حول تقنيات التصنيع، وتشمل الأنظمة الإلكترونية والإنترنت والحوسبة”.
وأوضحت في كلمتها خلال الملتقى أن الاقتصاد يتجدد خلال السنوات الأخيرة ويفرض اعتماد هذه التقنيات للتعرّف على متغيّرات الأسواق وقدرات الإنتاج في ظل التنافسية الكبيرة بين الدول، من خلال تحليل معطيات السوق في الوقت الحقيقي.
وأكدت شطاب أن “المعلومة باتت من أهم عوامل الإنتاج في الوقت الحالي وأن الصراع على الصناعة 4.0 صراع عالمي يتبلور حاليا على مستوى الدول الأكثر قوة، مما يستدعي المتابعة الجيدة لهذا التطور قصد مواكبته”.
وحسب شطاب، فقد شرعت الجزائر في مواكبة عملية الانتقال إلى “الصناعة 4.0” من خلال العديد من شركات القطاع العام العمومية التي شرعت في الاعتماد على الابتكارات الحديثة في المجال الصناعي.
وهناك قلق متزايد من أن تزيح رقمنة الأعمال، على بطئها، المئات من الوظائف في الشركات المحلية، لتضاعف من مشكلة البطالة، التي لم تجد السلطات حلا لمعالجتها في بلد يتجاوز عدد سكانه نحو 41 مليون نسمة.
ويتوقع ارتفاع مؤشرات البطالة إلى أرقام غير مسبوقة في المدى القريب، بسبب تراجع الاستثمارات الحكومية والخاصة، لاسيما خلال الأشهر الأخيرة التي تشهد ركودا اقتصاديا سيلقي بارتداداته على الجبهتين الاجتماعية والسياسية.
الجزائر من أقلّ دول شمال أفريقيا استخداما للتكنولوجيا، بعد كل من تونس والمغرب
وتفيد دراسات مختصة بأن الجزائر مطالبة بتحقيق نسبة نمو لا تقل عن 7 بالمئة، من أجل الحفاظ على مستوى البطالة الحالي المقدر، حسب إحصائيات رسمية، بنحو 12 بالمئة.
ولأن التحدي يندرج في خانة المستحيلات في ضوء الأوضاع الحالية، فإن البلاد مقبلة على موجة بطالة قياسية في المدى القريب والمتوسط. وعادت مؤشرات البطالة إلى الارتفاع منذ 2015، بعدما نزلت إلى ما دون نحو 10 بالمئة، خلال سنوات الرخاء المالي.
وأمام حالة الركود الاقتصادي الذي خلفته الاضطرابات السياسية منذ ثمانية أشهر، اضطرت المئات من الشركات الحكومية والخاصة إلى تسريح الآلاف من العمال الذين انضموا إلى لوائح البطالة في الأشهر الأخيرة.
وذكرت إحصائيات أخيرة أن الركود مسّ بشكل كبير شركات التطوير العقاري، حيث تعرضت أكثر من 3 آلاف مؤسسة للإفلاس، والى تسريح حوالي مئة ألف عامل، بسبب تراجع وتيرة القطاع الذي كانت تدعمه الدولة في شكل مشروعات سكن وبنى تحتية.
وتعد البطالة في الجزائر من أهم التحديات الاجتماعية التي أقلقت الحكومات المتعاقبة، وبرزت تجلياتها في الاحتجاجات المتواصلة، لاسيما في مناطق الجنوب والمحافظات الداخلية النائية، وتصاعدت حدة لهجتها تجاه الطرق الملتوية المنتهجة في مجال التشغيل.
اترك رد